Breaking News

قصة نجاح عادي .. قصة و عبرة

قصة نجاح عادي .. قصة و عبرة


1- قبل اللقاء

اتصلت بي آخر المساء .. تفاجأت برقم لا أعرفه ... لكن الصوت مألوف
- آلو .. مساء الخير
- مساء النور .. عفوا من معي؟؟
- ألم تعرفي الصوت ؟  ماذا جرى لذاكرتك الفولاذية
- عندي شك و لكن..... جميلة
- نعم ... اشتقت اليك يا توأم روحي ... هل يمكنك المجيء غدا الى المول و هكذا سنلتقي
- بالتاكيد... على الساعة التاسعة ... هل الوقت مناسب؟
- مناسب جدا ... إلى الغد

في الغد ... نزلت بدون إفطار ... على كل حال سأفطر بالمول مع صديقتي ... و ذهبت مشيا لأنني قررت منذ فترة عدم استعمال السّيارة في المشاوير القريبة
لم أرى جميلة منذ أكثر من ثلاث سنوات ...بعد أن كنا لا نفترق أبدا ... لكن و بعد تغيير عملي تباعدنا ... و بتغيير شريحة الهاتف فقدت الاتصال بالكل حتى جميلة

جميلة .. اسم على مسمى ... فهي لا تضع أبدا مساحيق على وجهها ... حتى في الأعراس ... لكن لا أحد ينكر تقاسيمها الحلوة .... كانت الفتاة الثانية لعائلة من بنتين و خمس أولاد ... عائلة تقدّس شيئا اسمه ولد .... و تأنف من أن لها بنات ..
والد متسلط ... طاغ في عائلته ... يمقت جميلة ... فقط لأنها فتاة ... يتطاول عليها بلسانه و يده ... و يكفهر دون سبب إذا مرّت من أمامه ...وضع غير عادي ..لكنه في بيت جميلة مألوف جدا ...

طبعا تطاول الأب على البنات ... أعطى مجالا واسعا .... و فتح الباب على مصراعيه .... لتجبّر الأولاد .... طلبات لا تنتهي و أوامر و نواهي ... لم لا؟ ... و هذا ديدن الوالد ... فكذلك يغني الإخوة

الأم من كثر تعنيف الأب ... و تصغيره لها ... و تحقيرها .... صارت مسخا .... لا شخصية لها و لا صوت .... تفتح فمها فقط لتحذر الفتاتين أن والدهما على وصول

لكن مأساتها قبل زواج أختها .... لا يعدّ شيئا أمام ما رأته بعد ذلك ... صار الضغط  مضاعفا .... كانت تلك الفترة التي حصلت فيها على وظيفة .... 
وظيفة في القطاع العام ... براتب متواضع  ... إن لم نقل زهيد .... و بدأت مع والدها عهدا آخر من الظلم .... تضع كل راتبها لكي تعيش العائلة ..... غصبا .... و سرقة تبررها القوانين الأسرية المجحفة

و مع ازدياد مطالب الأسرة .... لم يعد يكتفي براتبها بل يضطرها إلى الاستلاف ... تداينت من كل من بالقسم ... و أنا شخصيا أعطيتها مبلغا غير قليل .... فقط لكي أحفظ ماء وجهها .... فقد كادت تستدين من كل المديرية

بدأ أصحاب الديون يضايقونها ... و هي المسكينة لاحول لها ولا قوة ... بالمصادفة أخبرني زوجي أن أخاه أعطاه مبلغا من المال ليدفع عنه الزكاة ... و هو محتار ... فقفزت إليّ صورة صديقتي ... الّتي شحب وجهها و زاد وزنها أرطالا كثيرة ... و هي تفكر كيف السبيل لرد ديونها
سأل زوجي أخاه ... فأخبره أنه حر التصرف .... فأعطاها المبلغ ... و حررها من الدّيون ... أذكر فرحتها لردّ الدّين و شدة خجلها منّي للوضع الذي وضعته فيها عائلتها

كان هذا آخر عهدي بجميلة ... انتقلت للعمل مع زوجي في القطاع الخاص ... و منذ ذلك الحين ... و أنا لا أعرف عنها شيئا ... 

- من فضلك ... قهوة ساخنة و قطعتين من بسكويت الشاي

يا لروعتك يا صديقتي


وقفت أمامي و لم أعرفها .... لا زالت لا تضع مساحيق لكن وجهها كفلقة القمر .... حجاب شرعي فضفاض و قماشه جميل جدا عليها .... فقد اختلفت و أصبحت أنحف ....

- أهلا يا صديقة العمر ...
نهضت لأعانقها ... و دون أن أدري صرت أبكي بحرقة ... اشتقت إليك ... خصوصا بعدما رأيتك ... و جلسنا ... بعدما تبادلنا التحية و الأشواق ... لاحظت شيئا آخر .... نبرة الصوت الفاتنة التي تتحدث بها

لا أخفيكم .... جميلة فتاة مؤدبة ... لكن صوتها دائما مرتفع ... و خصوصا إذا وجّه لها إنتقاد ... تحس أنها تصرخ عليك و ستمد يدها لتضربك
كنت أفهمها ... فحالة الاضطهاد التي عاشتها ... جعلتها دوما في حالة دفاع عن نفسها... لكنّ الآخرين أبدا لم يفهموها

- أعلم أنّه ليس من اللياقة ... لكنني أتحرّق شوقا لأسألك ما هذا التغيير .... هل تزوجت

- لا لم أتزوج ... ولم أجد ذلك الأمير الوسيم الذي ينتشل سندريللا من حياة القهر و المعاناة... و أبشرك لازال والدي و أصغر إخواني يظلمونني ... البقية تزوجوا و لم يتحملوا العيش ببيت العائلة

لا زلت في نفس الظروف التي كنت خير شاهد عليها ... لازلت أعمل بذات الدائرة العمومية

و قصتي يا صديقتي ... أنني استيقظت ذات يوم و أنا كارهة للدنيا و ما فيها ... تأكدت أنني اكتفيت ... كفاني ظلما ... كفاني معاناة ... كفاني خنوعا ... وجه شاحب ... جسم كالبرميل ... صلاة ظاهرية ... لا أدعو الله إلا شاكية ... ساخطة ... و كأنني أتظلم عليه .... أستغفر الله من أعمالي السيئة

لم أقو على الذهاب للعمل ... لكنني لا أريد أن أرى سحنة أبي أو أخي ... فلبست ملابسي و أخبرت أمي أنني ذاهبة للعمل .... اشتريت كراسا و قلما و أنا داخلة لهذا المول بالذات

انزويت في الطابق العلويّ ... و أمسكت قلمي و كتبت قانونا داخليا لنفسي ..
أول بند صلاتي يجب أن تتحسن ... لأخشع فيها يجب أن أعرف ما هي الصلاة ... فعلاقتي بربي .... التي رأيت أن الصلاة هي شكلها الأول .... يجب أن تكون أول شيئ

و جعلت أول أسبوع للتفقه في الصلاة ... لقراءة كل ما تعلق بها من أحكام .... و لازلت أحتفظ بالكتيّب الذي صنعته عن الصلاة

صلاة اللّيل هي السهام التي لا تخطئ ... كما علمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم ... أنا لا أقوى عليها لأن جسمي بدين ... و يميل للدعة و الكسل .... فعليّ إنقاص وزني
كذلك حجابي ... لو أنني أرفع و أنحف ... لكان اللباس المحتشم جميلا علي

القرار الثاني إنقاص وزني .... لقيام الليل ... و للالتزام في ثوبي

قررت برنامجا للعناية بجسمي ... و بشرتي ... و ليس ضروريا أن أستعمل أشياء غالية ... فالانترنت مليئة بالوصفات التي لا تكلف فلسا واحدا..

مشكلة التعامل مع الناس ... و هي أكبر مشاكلي ... فالصبر بسلبية على ظلم أهلي ... هو مشكلة تعامل ... و تخطي زملائي لي في العلاوات هو أيضا مشكل تعامل ... فأنت تعلمين أنني شاطرة في عملي

قلت علي أن اتفقه في المعاملات الاجتماعية .... و صنعت على مدى أشهر كتيب قواعدي الاجتماعية

و ازداد مرتبي بعد علاوتين متتاليتين حصلت عليهما ... من ذات المدير الظالم الذي منعها عني سنوات ... و طبعا الزيادة لم أعلم بها أحدا ... حتى أمي

و قد خطبني شاب من أبي و أردت أن تكوني أول المدعوين ... أنت و زوجك

- ما شاء الله ... هل تسمحين أن أكتب قصتك على مدونتي

- نعم يمكنك ... لكن لا أحد ستعجبه قصتي ... لأن الناس تعودت على قصص النجاح المبهرة .... كأن تموت أمي على يد أبي السفاح فأنتقم .... أو أنني أحضر محاضرة لداعية مشهور فيهتم بحالتي و يأخذ بيدي .... أو أنني أتزوج رجلا يقلب تاريخي

الناس لم تعد تؤمن بهدى الله ... بذلك النور الذي يقذفه الله في قلوب من يشاء من عباده ... إنما تبعا لحياة المظاهر التي يعيشونها ... فهم بتبعون الأسباب الدنويويّة البراقة..

هناك 4 تعليقات:

  1. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.... من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته...
    لا يجب ان نستصغر أعمالنا ..فرغم بساطتها هي عند الله كبيرة

    ردحذف
  2. صدق رسول الله .... اسعدني مرورك

    ردحذف
  3. قصةواقعية جميلة كصاحبتها....نجاح في تغيير الواقع بتغيير النفس فكما قيل من الغباء القيام بنفس الاشياء وبنفس ااطريقة وانتظاؤ حصول نتائج مغايرة....❤

    ردحذف
  4. قصة رائعة واجمل ما فيها انها عودة الى الله ..فهو الناصر المنتصر دوما

    ردحذف